من أهل بيت رسول الله
أرسل
رسول الله إلى علي وفاطمة والحسن والحسين . ثم أدخلهما تحت ثوبه، ثم قال
هؤلاء أهل بيتي ) فقالت رضي الله عنها يا رسول الله أدخلني معهم !).
فقال صلى الله عليه وسلم أنتِ من أهلي )... هل عرفت من هي؟
إنها
أم سلمة وهي هند بنت سهيل المعروف بأبي أمية بن المغيرة، وهي قرشية
مخزومية ، وكان جدها المغيرة يقال له : زاد الركب ، وذلك لجوده ، حيث كان
لا يدع أحدا يسافر معه حامل زاده، بل كان هو الذي يكفيهم. وقد تزوجها أبو
سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي.. أسلمت هند مع زوجها فكانت هي الأخرى
من السابقات إلى الإسلام أيضا ، وما إن شاع نبأ إسلام أم سلمة وزوجها حتى
هاجت قريش ، وجعلت تصب عليهما من نكالها ، فلم يضعفا ولم يهنا ...
هجرتها إلى الحبشة
ولما
اشتد عليهما الأذى، أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى
الحبشة و كانا في طليعة المهاجرين. وعلى الرغم مما وجدت أم سلمة و زوجها من
حماية النجاشي ، فقد كان لديهم شوق إلى مكة مهبط الوحي ، وحنين إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم. ثم تتابعت الأخبار على المهاجرين إلى أرض الحبشة
بأن المسلمين في مكة قد كثر عددهم ، وكف شيئا من أذى قريش عنهم ، فعزم
فريق منهم على العودة إلى مكة يحدوهم الشوق ويدعوهم الحنين ، فكانت أم سلمة
وزوجها في طليعة العائدين ، لكن سرعان ما اكتشف العائدون أن ما نمي إليهم
من أخبار كان مبالغا فيه ، ولقد تفنن المشركون في تعذيب المسلمين وترويعهم ،
فأذاقوهم من بأسهم ما لا عهد لهم من قبل.
هجرتها إلى المدينة
عند
ذلك أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة ، فعزمت
أم سلمة وزوجها على أن يكونا أول المهاجرين فراراً بدينهما وتخلصا من أذى
قريش ، لكن هجرة أم سلمة وزوجها لم تكن سهلة ميسرة لهما.
تقول
أم سلمة : لما عزم أبو سلمة على الخروج إلى المدينة أعد لي بعيراً ، ثم
حملني عليه ، وجعل طفلنا سلمة في حجري ، ومضى يقود بنا البعير وهو لا يلوي
على شيء ، وقبل أن نفصل عن مكة رآنا رجال من قومي بني مخزوم فتصدوا لنا ،
وقالوا لأبي سلمة : إن كنت قد غلبتنا على نفسك ، فما بال امرأتك هذه ؟ وهي
بنتنا ، فعلام نتركك تأخذها منا وتسير بها في البلاد؟
ثم وثبوا
عليه وانتزعوني منه انتزاعا ، وما إن رآهم قوم زوجي بنو عبد الأسد يأخذونني
أنا وطفلي ، حتى غضبوا أشد الغضب ، وقالوا : لا والله لا نترك الولد عند
صاحبتكم بعد أن انتزعتموها من صاحبنا انتزاعا .. فهو ابننا ونحن أولى به ،
ثم طفقوا يتجاذبون طفلي سلمة بينهم على مشهد مني حتى خلعوا يده وأخذوه، وفي
لحظات وجدت نفسي ممزقة الشمل وحيدة فريدة ، فزوجي اتجه إلى المدينة فرارا
بدينه وبنفسه وولدي اختطفه بنو عبد الأسد من بين يدي ، أما أنا فقد استولى
علي قومي بنو مخزوم ، وجعلوني عندهم ...ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني في
ساعة..
ومنذ ذلك اليوم جعلت أجلس في المكان الذي شهد مأساتي،
وأستعيد صورة اللحظات التي حيل فيها بيني وبين ولدي وزوجي ، وأظل أبكي حتى
يخيم علي الليل .. و بقيت على ذلك سنة أو قريبا من سنة إلى أن مر بي رجل من
بني عمي فرق لحالي ورحمني وقال لبني قومي: ألا تطلقون هذه المسكينة ؟
فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها. وما زال بهم يستلين قلوبهم ويستدر
عطفهم حتى قالوا لي : الحقي بزوجك إن شئت .
و لكن كيف لي أن
ألحق بزوجي في المدينة وأترك ولدي فلذة كبدي في مكة عند بني عبد الأسد؟
ورأى بعض الناس ما أعالج من أحزاني فرقت قلوبهم لحالي ، وكلموا بني عبد
الأسد في شأني واستعطفوهم علي فردوا لي ولدي سلمة .لم أشأ أن أتريث في مكة
حتى أجد من أسافر معه ، فقد كنت أخشى أن يحدث ما ليس بالحسبان فيعوقني عن
اللحاق بزوجي عائق. لذلك بادرت فأعددت بعيري ، ووضعت ولدي في حجري ، وخرجت
متوجهة نحو المدينة أريد زوجي ، وما معي أحد من خلق الله ..
وما أن
بلغت (التنعيم) حتى لقيت عثمان بن طلحة وكان حاجب بيت الله في الجاهلية ،
أسلم مع خالد بن الوليد وشهد فتح مكة فدفع إليه الرسول صلى الله عليه وسلم
مفتاح الكعبة وكان يوم رافق أم سلمة مشركاً فقال : إلى أين يا بنت زاد
الركب.
فقلت : أريد زوجي في المدينة
قال: أو ما معك أحد؟.
قلت : لا والله إلا الله ثم بني هذا.
قال : والله لا أتركك أبدا حتى تبلغي المدينة ، ثم أخذ بخطام بعيري وانطلق يهوي بي ...
فوالله
ما صحبت رجلا من العرب قط أكرم منه ولا أشرف : كان إذا بلغ منزلا من
المنازل ينيخ بعيري ، ثم يستأخر عني ، حتى إذا نزلت عن ظهره و استويت على
الأرض دنا إليه وحط عنه رحله ، واقتاده إلى شجرة وقيده فيه .ثم يتنحى عني
إلى شجرة أخرى فيضطجع في ظلها. فإن حان الرواح قام إلى بعيري فأعده ، وقدمه
لي ، ثم يستأخر عني ويقول : اركبي ، فإذا ركبت واستويت على البعير ، أتى
فأخذ بخطامه وقاده. وما زال يصنع بي مثل ذلك كل يوم حتى بلفنا المدينة ،
فلما نظر إلى قرية بقباء لبني عمرو ابن عوف قال: زوجك في هذه القرية،
فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعا إلى مكة.
وكان أبو سلمة نازلاً بها ، فيستقبل أبو سلمة أم سلمة وابنه معها ، بكل بهجة وسرور ، وتلتقي
الأسرة المهاجرة بعد تفرّق وتشتّت وأهوال.
وفاة أبو سلمة
وهذه
أحد ، يخوض غمارها بعد بدر ويبلى فيها أحسن البلاء وأكرمه ، لكنه يخرج
منها وقد جرح جرحا بليغا ، فما زال يعالجه حتى بدا له أنه قد اندمل ، لكن
الجرح كان قد رم على فساد فما لبث أن انتكأ ولزم أبو سلمة الفراش. ..وفيما
كان أبو سلمة يعالج من جرحه قال لزوجته :
يا أم سلمة ، سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يصيب أحدا مصيبة ، فيسترجع عند ذلك
ويقول : اللهم عندك احتسبت مصيبتي هذه ، اللهم أخلفني خيرا منها إلا أعطاه
الله عز وجل خيرا منها .. ظل أبو سلمة على فراش مرضه أياما ، وفي ذات صباح
جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعوده ، فلم يكد ينتهي من زيارته
ويجاوز باب داره ، حتى فارق أبو سلمة الحياة ، فأغمض النبي صلى الله عليه
وسلم بيده الشريفتين عيني صاحبه ، ورفع طرفه إلى السماء وقال:
اللهم
اغفر لأبي سلمة ، وارفع درجته في المقربين .. واخلفه في عقبه في الغابرين ،
واغفر لنا وله يارب العالمين ، وأفسح له في قبره ونور له قبره.
أما أم سلمة فتذكرت ما رواه لها أبو سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :
اللهم
عندك احتسب مصيبتي هذه ... لكنها لم تطب نفسها أن تقول : اللهم أخلفني
فيها خيرا منها ، لأنها كانت تتساءل ومن عساه أن يكون خيرا من أبي سلمة ؟
لكنها ما لبثت أن أتمت الدعاء ..
حزن المسلمون لمصاب أم سلمة كما لم
يحزنوا لمصاب أحد من قبل ، وأطلقوا عليها اسم (أيم العرب) أي المرأة التي
فقدت زوجها ، إذ لم يكن لها في المدينة أحد من ذويها غير صبية صغار.
زواج أم سلمة من النبي صلى الله عليه و سلم
عندما
انقضت عدتها بعث إليها أبو بكر و عمر بن الخطاب يخطبها فلم ترضَ ، وخطبها
النبي صلى الله عليه و سلم إشفاقا عليها ورحمة بأيتامها أبناء وبنات أخيه
من الرضاعة . فقالت له: مثلي لا يصلح للزواج ، فإني تجاوزت السن ، فلا يولد
لي، وأنا امرأة غيور، وعندي أطفال ، فأرسل إليها النبي صلى الله عليه و
سلم خطابا يقول فيه : أما ما ذكرت من غيرتك فإني أدعو الله عز وجل ان
يذهبها عنك ، وأما ما ذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك .. وأما ما
ذكرت من العيال ، فإنما عيالك عيالي !!!فأرسلت أم سلمة ابنها عمر بن أبي
سلمة ليزوجها بالرسول صلى الله عليه و سلم... وساعتها أيقنت أن الله خلفها
بمن هو خير من أبي سلمة بل خير البشر جمعاء.
البيت النبوي
في
بيتها نزل قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى
وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} (الآية 33) (سورة الأحزاب).
فأرسل
رسول الله إلى علي وفاطمة والحسن والحسين . ثم أدخلهما تحت ثوبه ، ثم قال
هؤلاء أهل بيتي ) فقالت أم سلمة رضي الله عنها يا رسول الله أدخلني
معهم !). فقال صلى الله عليه وسلم أنتِ من أهلي ) وبهذا أدخل على نفسها
الطمأنينة.
ذات العقل الراجح
لقد صحبت أم المؤمنين أم
سلمة الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوات كثيرة ، فكانت معه في غزوة خيبر
وفي فتح مكة وفي حصاره للطائف ، وفي غزو هوازن وثقيف ، ثم صحبتْهُ في حجة
الوداع . ففي السنة السادسة للهجرة صحبت أم سلمة رضي الله عنها النبي صلى
الله عليه وسلم للخروج إلى مكة من أجل أداء العمرة ، وشهدت معه واقعة صلح
الحديبية ، وكان لها مشورة لرسول الله أنجت بها أصحابه من غضب الله ورسوله ،
وذلك حين أعرضوا عن امتثال أمره ، فعندما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم
من قضية الصلح مع قريش قال لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا ) فما قام
منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل الرسول صلى
الله عليه وسلم على أم سلمة فذكر لها ما لقي من عدم استجابة الناس ، وما في
هذا من غضب لله ولرسوله ، ومن تشفي قريش بهم.
فألهم الله أم سلمة
رضي الله عنها لتنقذ الموقف فقالت يا نبي الله ، أتُحبُّ ذلك ؟) أي
يطيعك الصحابة فأومأ لها بنعم ، فقالت اخرج ثم لا تكلّمْ أحداً منهم
كلمةً حتى تنحر بُدْنَكَ وتدعو حالِقكَ فيحلقُكَ ). فخرج الرسول صلى الله
عليه وسلم فلم يُكلّم أحداً ، ونحر بُدْنَهُ ، ودعا حالِقَهُ فحلقه ، فلما
رأى الصحابة ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً.
كان لأم
سلمة رضي الله عنها مشورة ثانية لأم المؤمنين عائشة ، وذلك حين عزمت الخروج
لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى وقعة الجمل ، فطلبت منها لزوم بيتها
فقالت إنك سُدّةٌ بين رسول الله وأمته ، وحجابك مضروبٌ على حرمته ، قد
جمع القرآن الكريم ذيلكِ ، فلا تندحيه ، وسكّن الله عقيرتك فلا تصحريها أي
صوتك لا ترفعيه الله من وراء هذه الأمة ، ما كنت قائلةً لرسول الله صلى
الله عليه وسلم لو عارضك بأطراف الجبال والفلوات ؟ ولو أتيتُ الذي تُريدين ،
ثم قيل لي ادخلي الجنة لاستحييتُ أن ألقى الله هاتكةً حجاباً قد ضربَهُ
عليَّ ، فاجعليه سترك وقاعة بيتك حصنك ). فكتبت لها السيدة عائشة رضي الله
عنها تقول :ما أقبلني لوعظك ، وما أعلمني بنصحك ، وليس مسيري على ما تظنين ،
ولنِعْمَ المطلعُ مطلعٌ فزعتْ فيه إلى فئتان متناجزتان ... أي أن السيدة
أم سلمة في وقت الفتنة الكبرى اعتزلت المشاركة في أحداثها.
وفاة أم سلمة رضي الله عنها
كانت
أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، آخر من مات من أمهات المؤمنين، عمرت
حتى بلغها مقتل الحسين، لم تلبث بعده إلا يسيرًا، وانتقلت إلى الله تعالى
سنة (62هـ)، وكانت قد عاشت نحوًا من تسعين سنة.