لن
يتمكن المواطن عبدالله آل سليمان من ذبح أضحيته والإشراف على توزيعها هذا
العيد كعادته السنوية اقتداءً بهدي الرسول، بل سيكتفي بشراء سندات الأضحية
من إحدى الجمعيات الخيرية أو مكاتب البريد في منطقة عسير، بحسب صحيفة
"الوطن" السعودية.
فيما اضطرت المسنة "ن. م" إلى تأجيل شراء الأضحية
إلى السنة المقبلة علها تتمكن من تجميع ما يكفي لشرائها أو تنخفض الأسعار،
قائلة "للعام الثالث على التوالي وأنا أؤجل الشراء لأتمكن من شراء حاجيات
أولادي والمنزل الضرورية، فالأسعار ليست في متناولنا."
في الوقت
الذي أكد فيه مدير إحدى الجمعيات الخيرية بالمنطقة الشرقية أن جمعيته اضطرت
لتحديد سعر الأضحية بـ1400 ريال بالإضافة إلى التنازل عن لحم الأضحية
لصالح الجمعية.
تقارب الأسعار
وعلى غير عادتهم السنوية تضاءلت
فرص التنافس المحموم بين الجمعيات الخيرية وتجار المواشي على أسعار الأضاحي
للمرة الأولى.. بسبب اشتراطات الجمعيات الأخيرة من أهمها التبرع الكامل
بالأضحية لصالح الجمعية وتقارب الأسعار بين التجار وتلك الجمعيات من جهة
أخرى.
فيما اكتفت وزارة التجارة بإطلاق مؤشر الأضاحي في أغلب مناطق
المملكة حيث وصلت الأسعار إلى حدود 1800 ريال للأضحية، معلنة أنها غير
مسؤولة عن الأسعار لاحتكامها للعرض والطلب، وهو ما جعل أحد تجار المواشي
يتوقع ارتفاع الأسعار متجاوزة ألفي ريال خاصة للنجدي والنعيمي.
وقال
مدير إحدى الجمعيات الخيرية بالمنطقة الشرقية جاسم الفلاسة في تصريح إلى
"الوطن" "إن الجمعية اضطرت لتحديد سعر الأضحية بـ1400 ريال بالإضافة إلى
التنازل عن لحم الأضحية لصالح الجمعية".
وعن أسباب ارتفاع السعر
مقارنة بالعام الماضي الذي يتراوح فيه سعر الأضحية ما بين 950 إلى 1000
ريال قال الفلاسة "إن الجمعيات اضطرت لرفع السعر بسبب تجار سوق المواشي لأن
الجمعيات تشتري الأضاحي من الأسواق المحلية وتوزع الأضاحي داخل المملكة."
وأضاف
"الوضع اختلف كثيراً العام الحالي بسبب المغالاة التي تشهدها الأسواق"،
مؤكداً أن جمعيته أقرت سعر الأضحية بعد "دراسة مستفيضة لتغطية تكاليف شراء
الأضاحي وذبحها وتوزيعها بالإضافة إلى التكاليف الإعلانية والاتصالات
بالعملاء."
كبار التجار
من جهته أوضح مورد مواش بحفر الباطن
عبدالله المطيري أن المبالغات بدأت من المربين والأسواق الكبرى، وقال
"الأسعار تتراوح ما بين 1200- 1500 عند البيع بالجملة، مما يعني وصولها
للمدن والتجار والباعة بزيادة نحو 150 ريالا للرأس الواحد وهو ما يتطلب
بيعها بسعر أعلى لتصل للمستهلك بنحو ألفي ريال".
وأكد المطيري أن
الزيادة في الكميات المعروضة من الأضاحي لم تساهم في خفض السعر إطلاقاً
خاصة بعد تماسك الأسعار من شهر رمضان، وأضاف "المواشي لا تعاني من أزمة
حقيقية فالشعير متوفر بكميات مناسبة والاستيراد عند مستويات قياسية لكن
الخلل يكمن في ضبط الأسواق مما رفع سعر الأضحية إلى هذه الحدود."
الأغلى عالمياً
بدوره
قال التاجر محمد العتيبي "إن الأضاحي متوفرة بأعداد مناسبة لكن الأسعار
مرتفعة إلى مستويات قياسية، مشيراً إلى أن أسعار الأغنام تتراوح بحسب
أنواعها من 1300 إلى 1400 ريال لكن مع مطلع الأسبوع الجاري بدأت رحلة
الصعود إلى نحو ألفي ريال." لافتاً إلى أن الطبيعة الاستهلاكية المحلية تعد
بيئة مشجعة للاستغلال والتلاعب والمغالاة، فالتدافع على الشراء والحجوزات
المبكرة ساهما في مغالاة التجار في الأسواق وعن دور الأسواق الرئيسة في رفع
الأسعار قال العتيبي "إن الأسعار ترتفع من التجار الرئيسين وكبار
الموردين".
وطالب العتيبي بإلزام المستوردين بالكشف عن حجم الصفقات
الحقيقية للمواشي ليتسنى للأسواق التعاطي معها بأرباح معقولة، وكذلك تفعيل
الاستيراد المبكر والتربية في المملكة لموازنة حجم الطلب والعرض".. مؤكداً
أن السوق المحلي يعتبر "الأغلى في العالم".
مطالباً بإشراف حكومي مباشرة على شراء الأضاحي خاصة واستيرادها وبيعها في الأسواق للمستهلكين.
السندات.. هي الحل
في
الوقت الذي تشهد فيه أسعار الأغنام في منطقة عسير ارتفاعا شديدا، تزامنا
مع حلول عيد الأضحى المبارك، وإقامة بعض المناسبات والولائم، اتجه عدد من
ذوي الدخل المحدود إلى شراء سندات الأضاحي التي تتميز بقلة أسعارها حيث تصل
إلى 50% تقريبا عن سعر الشراء المباشر من الأسواق.
ويؤكد المواطن
علي البشري "من مدينة أبها" أن هناك ارتفاعا في أسعار الأغنام بالمنطقة على
مدار العام، في ظل عدم استقرار أسعار الشعير، وعزوف كثير من مربي المواشي
عن اقتنائها وتسويقها لظروف تأمين متطلباتها، إلا أن موسم العيد وزيادة
الطلب على الأغنام زاد من أسعارها إلى درجة أن البعض لا يستطيع شراءها،
منتقداً غياب آلية واضحة ومحددة من قبل الجهات المعنية، لمراقبة الأسعار
وتقنينها، وإيجاد موارد بديلة تسهم في خفض الأسعار.
ويشير عبدالله
آل سليمان "عسكري" إلى أن راتبه 5 آلاف ريال لا يسعفه لشراء أضحية يتجاوز
سعرها 1600 ريال، قائلاً "ثلث المرتب سيذهب للأضحية، فضلا عن التزامات
ومصاريف العيد"، مؤكداً أنه سيتجه لشراء سندات الأضحية التي تقدم من خلال
بعض الجمعيات الخيرية ومكاتب البريد.
ويضيف آل سليمان :أن غلاء
المواشي في عسير مستمر طوال العام وبدرجة مبالغ فيها، وما يزيده تتابع
مواسم الصيف ورمضان وعيد الأضحى وهو ما ساعد في عدم خفض الأسعار أو
ثباتها".
ويقترح المواطن سعد بن عبدالله بن قمشع من محافظ أحد رفيدة
ضرورة قيام وزارة الزارعة بإيجاد مشروع لدعم مربي المواشي بطريقة مثلى،
وذلك بتخصيص مواقع لتربية المواشي على مساحات واسعة لهم، وتقديم قروض على
غرار ما يقدم للمزارعين أو الصناعيين، ودعمهم بالاستشارات والإشراف
البيطري، وبما يعمل على زيادة الإنتاج الحيواني ووفرته وبالتالي خفض
الأسعار ."
جدوى اقتصادية
وأيده مربي الماشية علي آل مفرح بقوله
"إن ما يصرف على الأغنام من أعلاف وحبوب وتطعيم، منذ ولادتها وحتى تصبح
مهيأة للبيع أو الذبح، يكلف كثيرا من الأموال"، فضلا عن مصروفات أخرى مثل
أجور العمال، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يحدث ارتفاع في أسعارها.
وأكد
آل مفرح أن الفرق في أسعار الأضاحي بين الماعز والضأن قد يكون في حدود 300
ريال تقريبا، وأشار إلى أن سعر الأضحية من الأغنام في أسواق عسير لا يقل
عن 1600 ريال في الوقت الحالي، ومرشح للزيادة خلال اليومين المقبلين بسبب
كثرة الطلب.
وكّلنا وتوكّل
من جهته أوضح مدير عام البريد في
منطقة عسير مشبب بن أحمد آل معلوي أن البريد شرع في تقديم خدمة سندات
الأضاحي للمواطنين والمقيمين في المجمع الرئيس بأبها ومحافظات المناطق، تحت
شعار "وكلنا وتوكل"، لافتا إلى أن سعر السند الواحد 600 ريال للرأس الواحد
من الأغنام، مع إمكانية تقديم سندات الأضحية من الإبل والبقر بأسعار
مناسبة.
وأصبح شراء أضحية يشبه رحلة بحث قد تنتج عن لا شيء.. وهو
حال ذوي الدخل المحدود في المناطق الشمالية، وهو ما أكدته المسنة "ن. م" أن
رحلتها السنوية في البحث عن الأضحية ذات السعر المناسب لراتب زوجها
المتوفى التقاعدي بدأت وانتهت مبكراً، مبينة أنها أجلت الشراء إلى السنة
المقبلة لعل الأسعار تنخفض أو تتمكن من جمع ما يمكنها من الشراء.
ارتفاع سعر الأعلاف
في
الوقت ذاته، أجمع ملاك الماشية في الجوف أنهم مجبرون على رفع سعر الأضاحي
لتعويض الخسائر جراء جشع تجار الأعلاف، وقلة المراعي الناجمة عن ندرة
المطر، وهو ما جعل كثيرا من المربين يعزفون عن تربية الماشية.
وعن
تلك المشاكل قال مربي الماشية أبو عبدالله - لديه 500 رأس من الماشية- "إن
تربية المواشي مهنة خاسرة، ولا ذنب لأحد في ذلك فالسبب يرجع إلى قلة الربيع
والمنطق الاقتصادي السليم يعني التخلي عن هذه التجارة الخاسرة".
فيما
قال "البرق أبو نايف" - لديه 800 رأس من الماشية- "إن الأوضاع مأساوية،
والأمر يحتاج إلى دراسة علمية متروية حول سبل توفير الغذاء للمواشي"، وأضاف
"راتبي التقاعدي 3500 ريال لا يكاد يكفي ثمن الأعلاف والأدوية التي
تحتاجها الماشية"، وتابع "الظروف القاسية والجفاف وارتفاع الأسعار والديون
المتراكمة نتيجة ابتياع الأعلاف دعتني إلى بيع ما يزيد على 400 رأس من
الأغنام على تاجر من دولة مجاورة".
موت جماعي
وفي السياق ذاته
وصف المواطن عبدالله العنزي الأمر بالمصيبة قائلاً "تعرضت أغنامي للموت
الجماعي، فكل يوم أفقد ما بين رأسين إلى 4 رؤوس بسبب الجفاف والبرد القارس
والصقيع في الأعوام السابقة"، ولا ينكر أنه ساهم في موتها لأنه قلل من
أعلافها مما أدى إلى إصابتها بالعمى ونتف أصواف بعضها البعض لفقدانها العلف
الأخضر الأمر الذي زاد الأمر سوءا.
إلى ذلك، قال أبو سعد - لديه
ألف رأس من الماشية- "الظروف القاسية قد تجبر كثيرا على عدم مزاولة تربية
الأغنام في هذه المناطق فالجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف والأدوية والصقيع
والبرودة جميعها عوامل شجعت ملاك الماشية في المناطق الشمالية على بيعها
لتجار يأتون من مناطق أخرى تكون أوفر حظا من المناطق الشمالية في الرعي".
مصدر للرزق
أما
أم نادر التي رفضت ذكر عدد ماشيتها فتقول "لا أستطيع التخلي عن تربية
الماشية، لاسيما وإنها المصدر الأساس الذي يؤمن الحياة لي ولأولادي، ولكن
ارتفاع الأسعار وقلة الأمطار في منطقتنا يجعلني أمام صعوبات مادية قاسية
فراتب زوجي التقاعدي لا يكاد يفي بجميع المتطلبات الملقاة على عاتقي خاصة
أن لدي أبناء أقوم على رعايتهم، وتعليمهم خصوصا بعد وفاة والدهم."
ويؤكد
أبو أحمد أنه يقف عاجزا أمام كثير من الضغوطات المادية نتيجة تربية
الأغنام من الأعلاف ورواتب العاملين والأدوية، ويضيف :أصبحت بين المطرقة
والسندان، إما أن أتخلى عن تربية الماشية أو أتحمل الأعباء المادية بانتظار
موسم الربيع."
حلول موقتة
أبو نجد أكد أنه يبتاع الأعلاف بثمن
مؤجل ولكن بزيادة مادية على السعر الأساسي وقال "أحصل على الشعير والأعلاف
من التجار بالدين بزيادة عن الأسعار العادية"، ويضيف "وفي أحيان أبرم صفقات
شراء الأعلاف من التجار إلى حين ولادة الغنم ومن ثم بيع الخراف الصغيرة".
بيع بخسارة
ويروي
أبو عطا الله قصته مع تربية الماشية بقوله "انتقلت بقطيع أغنامي إلى منطقة
بعيدة أخصبت فيها الأرض، ولكن خسرت ما يزيد على 132 رأسا نتيجة لانتشار
مرض التسمم المعوي في تلك المنطقة، فقمت ببيعها جملة وبخسارة."
ويؤكد
أبو دحام أن هناك صعوبات يواجهها ملاك الماشية مثل البعد والعوامل
الجغرافية واستمرار الجفاف وقلة الدعم، وقال "كل ذلك سيؤدي إلى تضاؤل
الثروة الحيوانية في تلك المناطق والاتجاه إلى اللحوم المستوردة، لاسيما أن
الثروة الحيوانية في المناطق الشمالية تحتل المرتبة الأولى في المملكة
بالنسبة للثروة الحيوانية الثابتة".