بِنَا أنْتِ مِنْ مَجْفُوّةٍ لمْ تُعَتَّبِ، | وَمَعْذورَةٍ في هَجْرِها لمْ تُؤنَّبِ |
وَنَازِحَةٍ، والدّارُ مِنْهَا قَرِيبَةٌ، | وَمَا قُرْبُ ثَاوٍ في التّرابِ مُغَيَّب |
قَضَتْ عُقَبُ الأيّامِ فِينَا بِفُرْقَةٍ، | مَتى مَا تُغَالَبْ بالتّجَلّدِ تُغْلَبِ |
فإنْ أبكِ لا أشْفِ الغَلِيلَ، وإنْ أدَعْ | أدَعْ حرقَةً، في الصّدْرِ، ذاتَ تَلَهّبِ |
ألا لا تُذَكّرْني الحِمَى، إنّ عهدهُ | جَوًى للمشوق المُسْتَهَامِ المُعَذَّبِ |
أتَتْ دونَ ذاك العهدِ أيّامُ جُرْهُمٍ، | وَطارَتْ بذاكَ العَيشِ عَنقاءُ مُغرِبِ |
ويا لاَئِمِي في عَبرَةٍ قَد سَفَحتُها | لِبَينٍ، وأُخْرَى قَبلَهَا لِتَجَنُّبِ |
تُحَاوِلُ منّي شِيمَةً غَيرَ شيمَتي، | وَتَطْلُبُ عِندي مَذْهَباً غيرَ مَذهبي |
وَمَا كَبِدي بالمُستَطيعَةِ لِلأسَى، | فأسْلُو، وَلا قلبي كَثيرَ التّقَلّبِ |
وَلَمّا تَزَايَلْنَا مِنَ الجِزْعِ، وانتَأى | مُشَرّقُ رَكْبٍ مُصْعِداً عَن مُغَرِّبِ |
تَبَيّنْتُ، أن لا دَارَ مَنْ بَعْدَ عَالِجٍ | تَسُرُّ، وأن لاّ خُلّةً بَعْدَ زَيْنَبِ |
لعلّ وَجيفَ العيس في غَلَسِ الدّجَى، | وَطَيَّ المَطايا سَبسَباً بعدَ سَبْسَبِ |
يُبَلّغُني الفَتْحَ بنَ خَاقَانَ، إنّهُ | نِهَايَةُ آمَالِي، وَغَايَةُ مَطْلَبي |
فَتًى لا يَرَى أُكْرُومَةً لِمُزَنَّدٍ، | إذا مَا بَدىْ أُكْرُومَةٌ لَمْ يُعَقِّبِ |
وَمُسْتَشرَفٍ بَينَ السَّماطَينِ مُشرِفٍ | عَلى أعيُنِ الرّائِينَ يَعْلُو، فَيَرْتَبي |
يَغضُّونَ فَضْلَ اللّحظِ مِن حَيثُ ما بدا | لهمْ عَنْ مَهيبٍ، في الصّدورِ، مَحبَّبِ |
إذا عَرّضُوا في جَدّهِ نَفَرَتْ بهِمْ | بَسَالَةُ مَشْبُوحِ الذّرَاعَينِ، أغلَبِ |
غَدا، وَهوَ طَوْدٌ للخِلاَفَةِ مَاثِلٌ، | وَحِدُّ حُسَامٍ، للخَليفَةِ مِقْضَبِ |
نَفى البَغيَ واستَدعى السّلامةَ وانتَهَى | إلى شَرَفِ الفِعْلِ الكَرِيمِ المُهَذَّبِ |
إذا انسابَ في تَدبيرِ أمْرٍ تَرَادَفَتْ | لَهُ فِكَرٌ، يَنجَحنَ في كلّ مَطلَبِ |
خَفيُّ مَدَبِّ الكَيْدِ، تَثْني أناتُهُ | تَسَرُّعَ جهل الطائش المُتَوَثِّبِ |
وَيُبدي الرّضَا في حالةِ السّخطِ للعِدَى، | وَقُورٌ، متى يَقدَحْ بزَنْدَيْهِ يَثْقُبِ |
فَماذا يَغُرُّ الخَائِنِينَ، وَقَدْ رَأوا | ضَرَائِبَ ذاكَ المَشرَفيّ المُجَرَّبِ |
غَرَائِبُ أخلاقٍ، هيَ الرّوضُ جادَهُ | مُلِثُّ العَزَالي، ذو رَبابٍ وَهَيْدَبِ |
فكَمْ عَجّبَتْ مِنْ نَاظِرٍ مُتَأمِّلٍ، | وَكَمْ حَيّرَتْ مِنْ سامعٍ مُتَعَجِّبِ |
وَقَدْ زَادَهَا إفْرَاطَ حُسْنٍ جِوَارُهَا | لأخَلاِقَ أصْفَارٍ مِنَ المَجْدِ، خُيَّبِ |
وَحُسنُ دَرَارِيّ الكَوَاكِبِ أنْ تُرَى | طَوَالِعَ في دَاجٍ مِنَ اللَّيلِ، غَيهَبِ |
أرَى شَملَكُمْ يا أهلَ حِمصٍ مُجَمَّعاً | بعُقبِ افترَاقٍ منكُمُ، وَتَشَعّبِ |
وَكُنْتُمْ شَعَاعاً من طَرِيدٍ مُشَرَّدٍ، | وَثَاوٍ رَدٍ، أوْ خَائِفٍ مُتَرَقِّبِ |
وَمِنْ نَفَرٍ فَوْقَ الجُذُوعِ، كأنّهمْ | إذا الشمسُ لاحَتهُمْ حَرَابيُّ تَنضُبِ |
تَلاَفاكُمُ الفَتحُ بنُ خاقانَ، بَعدَما | تَدَهدَهتُمُ مِنْ حَالِقٍ مُتَصَوِّبِ |
بعارِفَةٍ أهْدَتْ أمَانَاً لخَائِفٍ | وَغَوْثاً لمَلْهُوفٍ، وَعَفْواً لمُذنِبِ |
عَنَتْ طَيّئاً جَمعَا، وَثنّتْ بمذحِجٍ، | خصوصاً، وَعمّتْ في الكِلاعِ وَيَحصُبِ |
رَدَدتَ الرّدى عن أهلِ حِمصَ وَقَد بَدا | لهمْ جانبُ اليَوْمِ العَبوسِ العَصَبصَبِ |
وَلَوْ لَمْ تُدَافِعْ دُونَهَا لَتَفَرّقَتْ | أيادي سَبَا عَنها سَبَأء ابنِ يَشجُبِ |
رَفَدْتَهُمُ عندَ السّريرِ، وقد هوى | بهم ما هوى من سُخطِ أسوَانَ مُغضَبِ |
وكانَتْ يَداً بَيْضَاءَ، مثلَ اليَدِ التي | نَعَشتَ بها عَمرَو بنَ غُنمِ بنِ تَغلبِ |
فَلَمْ تَرَ عَيْني نِعْمَتَينِ اسْتَحَقّتا | ثَنَاءَ هُمَا في ابْنَيْ مَعَدٍّ، وَيَعربِ |
إنِ العَرَبُ انقادَتْ إلَيْكَ قُلُوبُهَا، | فقَدْ جِئتَ إحْساناً إلى كلّ مُعرِبِ |
وَلمْ تَتَعَمّدْ حاضِراً دونَ غَائِبِ، | وَلمْ تَتَجانَفْ عن بَعيدٍ لأقْرَبِ |
شكَرْتُكَ عَنْ قَوْمي وَقَوْمِكَ إنّني | لسانُهُما في كلّ شَرْقٍ وَمَغرِبِ |
وَمَا أنَا إلاّ عَبْدُ نِعْمَتِكَ الّتي | نُسِبْتُ إلَيها، دونَ رَهطي وَمَنْصِبي |
وَمَوْلَى أيَادٍ مِنْكَ بِيضٍ، متى أقُلْ | بآلائِهَا في مَشْهَدٍ لا أُكَذَّبِ |
وآلَيْتُ لا أنْسَى بُلُوغي بكَ العُلا | على كُرْهِ شَتّى مِن شُهُودٍ وَغُيَّبِ |
وَدَفعي بكَ الأعداءَ عنّي، وَإنّمَا | دَفَعتُ برُكنٍ من شَرَوْرَى وَمَنكِبِ |