أخذ مقتل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، في مايو 2011م أهمية كبرى وتصدرت صوره كبرى الصحف العالمية وأثار ضجة صاخبة وأذيعت أخباره بكثافة، وأصبح السؤال ما هو مصير القاعدة بعد مقتله؟
السؤال ليس جديدا، فهو مطروح بكثافة منذ أعوام في دوائر بحثية وأمنية وسياسية، حول مستقبل هذا التنظيم الذي أحدث دويا هائلا في العالم عموما والولايات المتحدة خصوصا بعد تفجيرات 11 سبتمبر، ومنذ ذلك الوقت والجدل حول القاعدة مستمر.
وفي كتابها: " القاعدة نهاية تنظيم أم انطلاقة تنظيمات بعد مقتل بن لادن وعشر سنوات من الحرب على الإرهاب " الذي ترجمته ونشرته مؤخرا "دار سطور" في القاهرة (2011م) في أكثر من مائتي صفحة، تحاول الأكاديمية "كريستينا هيلمتش" أستاذة العلاقات الدولية بجامعة ريدينغ في المملكة المتحدة الإجابة عن هذا التساؤل.
فكر "بن لادن" أولاً
الفكرة التي تبني عليها المؤلفة كتابها في فهم طبيعة القاعدة، هي ارتباط حالة التنظيم بشكل كبير بفكر بن لادن أكثر من شخصه وبالوضع السياسي والاجتماعي السائد، وتؤكد أننا لكي نفهم التنظيم، يجب أولاً أن نعيد قراءة أفكار بن لادن بصورة موضوعية .
في البداية تنتقد "هيلمتش" الدراسات التي تناولت تنظيم القاعدة، من حيث غرقها في بحر أسطوري من المزاعم التي لا أساس لها، فأحداث سبتمبر كانت ناجمة عن فشل خبراء الإرهاب في التنبؤ بهجوم بهذا الحجم لأسباب متنوعة، منها: ضعف الاهتمام بالجانب العلمي والأكاديمي في تحليل خطابات بن لادن.
وترى "هيلمتش" أن بعض الخبراء في الإرهاب أصبح يقدم إجابات حول حقيقة وأفكار التنظيم دون أن يمتلك أي رصيد حقيقي أو معرفة عن الإسلام ومعاني الجهاد أو تحليل لرسائل بن لادن ومن تأثر به.
وتؤكد الباحثة أن من يزعمون أنهم خبراء، لا يمتلكون في الحقيقة أية مهارة أو مصادر أو إمكانيات تسمح لهم بالتعليق على الأحداث، كما أن الكتب التي تناقش هذا التنظيم ومؤسسه، تعيد إنتاج ما قدمه الآخرون عن طريق الاعتماد على مؤلفاتهم ونقلها من دون نقد، وهذا يؤكد حالة التخبط التي تعانيها الإدارة الأمريكية ونقص المعلومات الدقيقة حول التنظيم وبنيته. .
الدفاع عن المملكة!
استعرضت "هيلمتش" علاقة بن لادن بعبد الله عزام والظواهري، وعرضه استخدام قوات المجاهدين للدفاع عن السعودية ضد توسعات صدام حسين بعد احتلاله الكويت، وتناولت رحلة بن لادن إلى السودان، بعد فترة توقف وجيزة في أفغانستان، وعلاقته والظواهري بالدكتور حسن الترابي، الزعيم الإسلامي السوداني، وتثير كريستينا نقطة أموال بن لادن المستثمرة في السودان والتضارب الحادث في الرقم، رغم وجود ما يشير إلى تعدد المشاريع العملاقة التي قام بها في السودان.
وفي الفترة من 1996- 2001 تشير "هيلمتش" إلى أن التنظيم اكتسب قوة كبيرة، واستخدم الإعلام لصالحه من خلال حوارات مع صحافيين في الغرب، وفتاوى، وخطابات مفتوحة وبيانات عامة تبث على قناة الجزيرة .
وترجع أهمية هذه الفترة إلى أنها شهدت نقلة القاعدة الأيديولوجية من بؤرة إقليمية باتجاه بعد عالمي، وكانت فتوى بن لادن بعنوان "إعلان الجهاد ضد الأمريكيين الذين يحتلون أرض الحرمين" هامة للغاية، وهي التي شرعت "الحرب الدفاعية" ضد الحكومة الأمريكية وجيشها بسبب وجوده في السعودية أو "احتلاله لها". حيث وسعت الفتوى إطار من يخاطبهم بن لادن إلى المسلمين في جميع أنحاء العالم، بدلا من قصرها على الموجودين في شبه الجزيرة العربية؛ وكان هناك تأثير بسبب اندماج القاعدة بجماعة الجهاد الإسلامي المصرية، ونجم عن ذلك أن كانت القاعدة والجهاد من بين جماعات عدة أصدرت إعلانا للحرب ضد مصر والولايات المتحدة وحكومات أخرى في فبراير 1998.
الجهاد العالمي!
وانتقدت "هيلمتش" التفسيرات القائلة بأن عمليات القاعدة الإرهابية غير العقلانية قد تكون نتيجة خلل عقلي، وأن الخطاب الديني يخفي طموحات سياسية، أو لأن أسامة وأتباعه ينتمون إلى "الوهابية"، وترى الكاتبة أن القاعدة هي طليعة الجهاد السلفي العالمي، وهو حركة إحيائية دينية تعم العالم غايتها استعادة مجد الإسلام في دولة إسلامية عظمى.
وفي تفسير أيديولوجية القاعدة، تقول "هيلمتش" إن السياق السياسي هو ما شكل التفسيرات والاستراتيجيات التي أعقبت الهجمات، وتحرك الولايات المتحدة لتعلن حربا مفتوحة ضد الإرهاب كان استجابة تلقائية غير محسوبة، أصبحت فيما بعد حملة عالمية عسكرية سياسية قانونية وأيديولوجية ضد أشخاص وتنظيمات وصفت بأنها إرهابية، وضد أنظمة اتهمت أو بدت أنها تمثل تهديدا لأمريكا وحلفائها، وعلى خلفية مناخ سياسي تم تقسيم العالم إلى خير وشر .
بن لادن..وما يفعله الغرب
وتحاول المؤلفة قراءة أفكار بن لادن، وترى أن أي قراءة متمعنة لأفكاره، سرعان ما تكشف أن حربه ليست رد فعل على حرية الغرب وديمقراطيته، بقدر ما هي رد فعل على ما يفعله الغرب .
وتؤكد أن بن لادن كان يأخذ في اعتباره ما يحدث من تغييرات اجتماعية وسياسية، إلا أنه ظل متسقا من حيث أسباب هجومه على الولايات المتحدة، فالموضوع المركزي الذي تتمحور حوله جميع بيانات بن لادن هو معاناة الأمة الإسلامية ومهانتها على أيدي "الكفار" أي الولايات المتحدة وحلفاؤها، كما أنه لا يتنكر لأعمال العنف، ويؤكد دائما أن العنف المستخدم هو عمل ثأري، وبوجود البراهين التاريخية عن مجازر الغرب إلى جانبه يصعب إنكار حججه، حيث تكمن عبقريته في تشكيله حجة مقنعة متسقة، بأن ثمة هجوما أمريكيا على الإسلام وأمة الإسلام. ويهدف بن لادن من كل ما يفعله إلى استعادة الأمة من قامعيها لإعادة الخلافة الإسلامية كما أنه يضع أمة الإسلام في مكانة أسمى بكثير من الدول الأخرى.
القاعدة..تدمير أم ضعف؟!
وفي إطار محاولة " هيلمتش " استكشاف مصير القاعدة ومستقبلها بعد 11 سبتمبر تستعرض حالتي القاعدة في اليمن والعراق، ففي حالة اليمن وُجد أن القاعدة تنظيم هرمي ذو كوادر وظيفية، فهناك إجماع شامل حول بنية المجموعة، وهناك تأكيدات من مسؤولين رسميين مثل مستشار الإدارة الأمريكية لمكافحة الإرهاب " جون برنان" الذي قال إن مجموعة القاعدة التي تتخذ من اليمن مقراً لها، تمثل تهديدا للأمريكيين أكبر من أي مجموعة أخرى، وأنها تنشط بتزايد في محاولة لتجنيد "إرهابيين" جدد، وأضاف أن قاعدة شبه الجزيرة العربية هي الأكثر تنظيما في شبكة القاعدة والأكثر نشاطا في تنفيذ العمليات.
أما في حالة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين فترى أن أوضاعها لا تدعم فكرة وجود تنظيم عالمي يزداد قوة، بل إن الخلافات الداخلية والهجمات من المجموعات الإسلامية الراديكالية قد أضعفت القاعدة، وأحدثت الشقاق بين أذرع القاعدة المحلية، وغضب بعض قادة القاعدة من استخدم العنف ضد مدنيين، مما أدى إلى تقويض نفوذها في العراق.
وترى " هيلمتش " أن القاعدة تسير باتجاه أن تصبح تنويعة أقل إحكاما من الأفراد والمجموعات، لا تجمع بينها روابط تنظيمية رسمية، بل صلات شخصية ووحدة الهدف لاتباع نداء الجهاد .
كما ترى هيلمتش أن الظن بأن موت بن لادن انتصار وعلامة على انتهاء القاعدة، هو أمر خاطئ، حيث تكمن قوة القاعدة في أيديولوجيتها لا في بنيتها التنظيمية، مما يتيح لها قدرا من المرونة تمكنها من مقاومة تأثير اختفاء أي شخص مهما كانت مكانته وقدره.