موضوع: الوسطية بين الغنى والفقر السبت ديسمبر 24, 2011 9:31 pm
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: المال في الإسلام وسيلة لا غاية, وطلبه من طريق حله وطيبه أمرٌ مشروع لكل مكتسب، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: { من أصبح آمناً في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه } أراد بقوت اليوم الحال الوسط بين ضدين، إما حال الأثرياء المترفين الذين ضعف عند بعضهم الخلق والدين، وإما حال المفلسين القعدة الذين استمرءوا الكسل والبطالة والتشرد.
إن الذين يكسلون ولا يربحون، ثم يتسولون أو يحتالون، باسم التكسب أو العيش، ليسوا على سواء الطريق، والذين يحبون المال حباً جماً حتى يعميهم عن دينهم وأخلاقهم وخلواتهم القلبية وجلواتهم الروحية ليسوا على سواء الطريق أيضاً، فكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
وخير الأمور -عباد الله- هو الوسط؛ فإن الفقر كاد أن يكون كفراً، بل هو مظنة الاتكال على الغير، وربط الأمور مع الناس بما يملكون من مال لا ما يملكون من خلق، فتختل عند الفقير المعايير، كما أن الغنى مظنة الطغيان، والوقوع في طرق الكسب المحرمة بحثاً عن المال بنهم، أو هو مظنة الفرار من الحقوق كالصدقة والزكاة وأوجه البر، ولهذا فإن من ملك قوت يومه فإنه يكون في منأىً عن بطر الغنى وهوان الفقر، فيكون كافاً عافاً، ومن هنا جاءت حيازة الدنيا، فالفقر دون برمته، والغنى يحمد في الخير ويذم في الشر: « فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى » [الليل:5-10] وصدق رسول الله صلى الله عليه سلم إذ يقول: {نعم المال الصالح للرجل الصالح } رواه أحمد .
نقول مثل هذا -عباد الله- لأجل أن نذكر كل ذي نعمةٍ بنعمته، ولنعلم جميعاً أن هناك من المسلمين: عن اليمين وعن الشمال غزين، من يصبح لا يدري ما مصير أمنه، ولا قوت يومه، ولا معافاة بدنه، يعيشون أجواءً مقلقة، وحياةً متقلبة، ما عند يوم أحدهم ثقةٌ له بغده، شيوخٌ ونساء وأطفال بُرآء ما جنوا ذنباً، أطهار ما كسبت أيديهم إثماً، سقوفهم واكفة، وجدرانهم نازة، وجبالهم تسيل حمماً وشظاياً، حتى غدت أوديتهم بمآسيهم أباطح، فلم تعد الدور دوراً ولا المنازل منازلاً: « إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ » [ق:37].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم طهر بيتك المقدس من هؤلاء الأرجاس، اللهم خالف بين كلمتهم، ومزق شملهم، اللهم اجعلهم غنيمة للإسلام والمسلمين، يا ذا الجلال والإكرام، بقوتك يا قوي يا عزيز.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.