الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

شاطر|

بل الدم الدم والهدم الهدم

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل
معلومات العضو
مشارك في المسابقة

مطور خارق

مطور خارق

معلومات إضافية
ذكر
الْمَشِارَكِات الْمَشِارَكِات : 488
الْعُمْر الْعُمْر : 29
 بل الدم الدم والهدم الهدم 012
 بل الدم الدم والهدم الهدم Empty
مُساهمةموضوع: بل الدم الدم والهدم الهدم  بل الدم الدم والهدم الهدم Icon_minitimeالسبت ديسمبر 10, 2011 6:23 pm

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بل الدم الدم والهدم الهدم

[center]على
مشارفِ الهجرةِ كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يبني مجتمعًا
جديدًا، ويَسعَى لإنشاء دولةٍ جديدة، تتجلَّى فيها قِيَمُ الإسلام بتنفيذٍ
عمليٍّ تطبيقيٍّ على الأرض في المدينة، كانتْ معالِم حياة جديدة تتشكَّل في
عالَم آنذاك، وكانتْ دولةٌ جديدة تنشأ على غرارٍ جديدٍ لم تعرفْه الجزيرةُ
العربية مِن قَبل، والتي كانتْ قائمةً قبلَ الهجرة على فِكرة القبيلة
كنواةٍ ومحور، وموجِّه وحاكم كذلك، وكانت دولةُ النبي - صلَّى الله عليه
وسلَّم - التي تكاد تُولَد بالمدينة ستقومُ بالبديهةِ على عددٍ مِن
التحالُفات والائتلافات بيْن عددٍ مِن القبائل، والتعدُّدات الاجتماعيَّة
والثقافيَّة، والقَبليَّة والعقائديَّة أيضًا[1].


كانتْ بيعةُ العقبةِ الثانية نموذجًا عمليًّا لمثل هذه التحالُفات، ولا
شكَّ أنَّ بيعةَ العقبة لم تكُن بيعةً عقائديةً بيْن الأنصار ورسولِ الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم - على اعتناقِ الإسلام - فلقدْ أسلموا جميعًا قبلَ
لقاءِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولكنَّها كانتْ بيعةً على
النُّصرة والحماية، كانتْ تحالفًا - بالمصطلَح العصريِّ - بيْن مسلمي مكَّة
بقيادةِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -وبيْن مسلِمي المدينةِ على
بناءِ المجتمع التوافُقي الجديد، وإنشاء دولةِ المدينة؛ ففي روايةِ كعبٍ
التي رواها ابنُ إسحاقَ: "ثم قال - يقصد رسولَ الله (صلَّى الله عليه
وسلَّم) -: أُبايعكم على أنْ تمنعوني ممَّا تمنعون منه نِساءَكم وأبناءَكم،
فأخَذ البراءُ بنُ معرورٍ بيدِه، ثم قال: نعَمْ، والذي بعثَك بالحقِّ
نبيًّا، لنمنَّعك ممَّا نَمنع أُزرَنا منه، فبايعْنا يا رسولَ الله؛ فنحن
واللهِ أبناءُ الحرْب وأهل الحلْقة، وَرِثْناها كابرًا عن كابر، فاعترض
القولَ أبو الهيثم بنُ التيِّهان، فقال: يا رسولَ الله، إنَّبيننا وبيْن
الرِّجال حبالاً، وإنَّا قاطِعوها - يعني: اليهود - فهل عسيْتَ إنْ نحن
فعَلْنا ذلك ثم أظهرَك الله أن تَرجِع إلى قومِك وتدَعَنا؟ فتبسَّم النبيُّ
- صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم قال: ((بل الدَّمَ الدَّم، والهَدْمَ
الهَدْم، إنَّا منكم وأنتُم منِّي، أُحارِبُ مَن حاربتُم، وأُسالم من
سالمتُم))[2].


كان
تعهُّدُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - واضحًا لا مجالَ فيه لتأويل -
المصير واحد - بل قَدَّمَ مصلحةَ المعاهدين على نفسِه، فلم يُقدِّم نفسَه
عليهم، ولم يكُنِ الشرطُ أن يحاربوا مَن حارَبَ، ولكن أن يُحارِبَ هو -
صلَّى الله عليه وسلَّم - مَن حاربوا، ويُسالِم مَن سالموا؛ مقابلَ منعتِهم
له.


إنَّ
هذا التعهُّدَ مِن قِبل النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - للأنصارِ
يُجيب عن سؤالٍ مهمٍّ في عالَم التحالُفات السياسيَّة: ماذا لو هاجَم نفرٌ
مِن البدو أو القبائل العربيَّة أهلَ المدينة لثاراتٍ قديمةٍ، أو لمطامعَ
اقتصاديةٍ ليس لها عَلاقةٌ بالعقيدة الإسلاميَّة التي قامتْ عليها دولةُ
المدينة بعدَ الهجرة؟
فهلْ كانَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يتقاعَسُ عن نصرتِهم باعتبارها حربًا غيرَ عقائديَّة وجهادًا غيرَ إسلامي؟!



نصُّ تعهُّدِ الصادقِ المصدوق، يقول: ((أُحارِب مَن حاربتُم، وأُسالِم مَن سالمتُم)).

هكذا
كانتِ التحالفاتُ المبدئيَّة لرسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
تعاهداتٍ تربط المصيرَ بالمصير، بصَرْفِ النظرِ عن المصلحةِ الفِئويَّة
الضيِّقة.


يَتجلَّى هذا المعنى بشكلٍ واضح
فيما ترتَّب على التحالُف بيْن المسلمين وبيْن قبيلةِ خُزاعة على أثر صُلح
الحديبية مع قريش، "وحَسَب هذا البندِ دخلتْ خُزَاعَةُ في عهد رسول الله -
صلَّى الله عليه وسلَّم - ودخلتْ بنو بكرٍ في عهدِ قريش، وصارتْ كلٌّ مِن
القبيلتَين في أمنٍ مِن الأخرى، وقدْ كانتْ بين القبيلتَين عداوةٌ وتوترات
في الجاهليَّة، فلمَّا جاءَ الإسلام، ووقعتْ هذه الهُدنة، وأمِن كلُّ فريقٍ
من الآخَر - اغتنمها بنو بكرٍ، وأرادوا أن يُصيبوا مِن خزاعة الثأر
القديم، فخرَج نَوْفَلُ بنُ معاويةَ الدِّيليُّ في جماعةٍ من بني بكرٍ في
شهر شعبان سنة 8 هـ، فأغاروا على خزاعةَ ليلاً، وهُم على ماء، يقال له‏:‏
‏"‏الوَتِير"،‏ فأصابوا منهم رِجالاً، وتناوشوا واقتَتلوا، وأعانتْ قريش
بني بكرٍ بالسلاح، وقاتَل معهم رجالٌ مِن قريش مستغلِّين ظُلمةَ اللَّيل،
وأَسرع عمرُو بنُ سالِم الخزاعيُّ، فخرَج حتى قَدِم على رسولِ الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم - المدينة، فوقَف عليه، وهو جالسٌ في المسجدِ بيْن
ظهراني الناس، فقال‏:‏

يَا رَبِّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا

حِلْفَنَا وَحِلْفَ أَبِيهِ الْأَتْلَدَا

إلى آخِر هذه الأبياتِ يستنصره، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:‏ ‏(‏(نُصرتُ يا عمرو بن سالِم‏))[3]‏،
وكان ذلك سببًا في نقضِ العهدِ بيْن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -
وقريش، وفتح مكَّةَ، ولم تكُن قبيلةُ خزاعةَ كلها قدْ أسلمتْ، "ومِن هنا
نَجِد أنَّ خزاعةَ نفسَها كقبيلةٍ - مَن دخَل منهم في الإسلام ومَن لم
يدخلْ - قدَّمتْ نصحَها وولاءَها للدعوة"[4]،
ولا كان هجومُ بني بكرٍ على خزاعةَ لسببٍ عقائدي؛ وإنَّما لثاراتٍ قديمةٍ،
ومع هذا كان نصرُ خزاعةَ عهدًا على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
فواضحٌ مِن الحادثة أنَّ الاعتداءَ على قبيلةِ خزاعةَ المرتبطة مع
المسلمين بحِلفٍ قدْ عدَّه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - اعتداء على
المدينةِ ذاتِها، فلمْ يقبل فيه شفاعة أبي سفيان، أو محاولته الاعتذارَ
وتجديدَ الصلح - المعاهدة - فما كان محمدٌ أن يخذل حلفاءَه والمستنصرين به،
ولو أدَّى ذلك إلى خوضِ معركةٍ إستراتيجيَّة في حجمِ معركة فتح مكَّة!


ثم أكَّد حتميةَ المصير المشترَك مع الأنصار بعدَ أن فتَح عليه اللهُ مكَّةَ،
ففي أعقابِ غزوةِ حُنين وجَد الأنصارُ في أنفسِهم؛ مِن أجْل أثَرَةٍ عليهم
في تقسيمِ الغنائم، فقالوا: لقي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
قومَه، فجمَعهم وكلَّمهم، فكان آخِر ما قال لهم:


((ألاَ
تَرْضَوْن - يا معشرَ الأنصار - أن يذهبَ الناسُ بالشاةِ والبعير،
وترجِعوا برسولِ اللهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم -إلى رِحالِكم‏؟!‏ فوالذي
نفسُ محمَّد بيدِه، لولا الهجرةُ لكنتُ امرأً مِن الأنصار، ولو سلَك الناسُ
شِعْبًا وسلكتِ الأنصار شِعبًا، لسلكتُ شِعبَ الأنصار، اللهمَّ ارحمِ
الأنصارَ، وأبناءَ الأنصار، وأبناءَ أبناءِ الأنصار))‏[5].


لقدْ
جعَل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حِلفَه وعهدَه مع الأنصار مُلزِمًا
حتى بعدَما تَمَّ فتحُ مَكةَ، فلم يعُدْ إليها ولم يتَّخذها عاصمةً
لدولته، ولو فعَل لكان منطقيًّا؛ كونها بلدَ الله الحرام، وأمَّ القرى،
وبها المسجد الحرام أطهر بقاع الأرض قاطبةً، لكنَّه لم يفعلْ، بل قرَّر أن
يسلك شِعبَ الأنصار، راجيًا لو كان فردًا منهم بالميلادِ، كما اختارَ أن
يكونَ منهم بالمصير!


هكذا
كانتْ تحالفاتُ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهكذا كانتْ عهودُه
ومواثيقه المبدئيَّة القائِمة على الوفاءِ الكامِل دون النظَر إلى
الحساباتِ الضيِّقة أو المصالِح المؤقَّتة! فهلْ كان ذلك الْتزامًا
بالعهودِ المكتوبة فقط، أم أنَّ التحالفَ كان يَمضي بالمتحالفين حسبَ
تطوُّر الواقِع وضروريات المرحَلة؟ هذا ما أجابَنا عنه سعدُ بنُ معاذٍ، قال
لرسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يومَ بدر:‏ لعلَّك تخشَى أن تكونَ
الأنصارُ ترى حقًّا عليها ألاَّ تنصرَك إلاَّ في دِيارهم، وإني أقولُ عن
الأنصار وأُجيب عنهم‏:‏ فاظعنْ حيثُ شِئتَ.... حتى قال: وما أمرتَ فيه مِن
أمرٍ، فأمْرُنا تبعٌ لأمرك، فواللهِ لئن سِرتَ حتى تبلغَ البرَك مِن
غُمْدان، لنسيرنَّ معك، وواللهِ لئن استعرضتَ بنا هذا البحرَ فخُضتَه،
لخُضْناه معك‏[6].


التحالُف والعهدُ إذًا يظلُّ كذلك،
ويَذهب بأطرافه إلى أبعدِ مدًى ممكِن، متجاوزًا حدودَ ما تم التوقيعُ عليه
فعليًّا؛ للحِفاظِ على المصلحة العُليا للمجتمع والدولة، فهو الدَّم
الدَّم والهَدْم الهدم!


فهل
نحن متأسون بنبيِّنا في تَعهُّداتنا وتحالفاتنا؟ وهلْ نحن وافون لأوطانِنا
بالاستحقاقاتِ الوطنيَّة، ولو لم تكُن داخلةً في عهودٍ مكتوبة أو وعود
مقطوعة؟!








[1]
قامتْ دولةُ المدينةِ على المسلمين مِن المهاجرين والأنصار، كما ساكنَهم
فيها قبائلُ اليهود، وكذلك الوثنيُّون مِن العرَب مِن أهلِ المدينة.


[2] صفي الرحمن المباركفوري، "الرحيق المختوم" (ص: 148).

[3] "الرحيق المختوم" (ص: 393 - 394) باختصار.

[4] يَحيى عِصمت عبدالعزيز هيبة، رسالة "دور خُزاعة في نشْر الإسلام من فجْر الدعوة إلى نهاية العصر الأموي" (ص: 52).

[5] - "الرحيق" (ص: 420).

[6] - "الرحيق" (ص: 206) باختصار.




دمتم برعاية الرحمن وحفظه
[/center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

بل الدم الدم والهدم الهدم

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

مواضيع مماثلة

-
» في تايلند وفيتنام ... شوربة من الدم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شركة تطوير ويب :: المنتديات العامه ::   :: قسم الدين الاسلامي الحنيف-